(16)
قد تجاوزنا عصور البلقنةْ
وتخطَّيْنا خطوط
اللبننةْ
لا تحاكمني إلى الأفغان أو للأفغنة
وطنُ الإسلام
أرضي
وانتمائي للجموع المؤمنة
وبلادي حدها شرقا وغربا أو شمالا
وجنوبا مئذنة
(17)
سألوني ذات يوم عن بقايا
ذكرياتي
عن حياتي كيف كانت
كيف مرت أمسياتي
فتصفَّحْت كتابا
معجميّاً هائل الحجم، كثير الصفحاتِ
كل حرف فيه يحكي قصصا
لجروح
ونزوح وشتاتِ
ذلك المعجم يحوي أدبا غير الذي تعرفه
سمِّه أنت إذا شئت
حياتي
(18)
آه ! واقدساه من ظلم قريبي
وهو يكويني ،
ومن كيد البعيدْ
لا تلوميني على غمي وحزني
لا تلوميني على بؤسي
ووهني
لا تظني غيْبتي من سوء ظنِّي
أو قعودي عن لظى الحرب لجُبْني،
أو لسِنِّي
لا تلوميني فإني
زرعوا قيدين في رجليَّ: قيد من
حديدْ
مدمنُ العضِّ ، وقيد من حدودْ
(19)
كلما جئت مطارا أو قطارا
للعبورْ
قدَّم القوم اعتذارا: أنت ممنوع المرور!!
هذه أوراق إثباتي
بأني عربي
مولدي، أمي، أبي، عمي، أخي، جد أبي
سحنتي، لوني، لساني،
نسبي
عشت في هذي البراري منذ عاش الدينصورْ
وأكلْتُ الحنظل المرَّ
ومنقوع القشورْ
قذفوا الأوراق في وجهي ولفّوا طلبي
وجهارا أقسموا لي
: أن سرّ المنع أني عربي
هذه التهمة مهما بلغت نصف الحقيقة
نصفها
الآخر يكمن في تلك "الوثيقة"
كتب الكاتب فيها أنني من أهل
"غزَّة"
قرروا أن يشطبوها، كرهوها
إنها تشبه في الأحرف
"عِزَّة"
(20)
حرموني من صغاري ، من عيوني ،
ويديَّا
حرَّموا الحُبَّ عليَّ
جرَّبوا كل سياط القهر
فيَّ
صادروا الحرف الذي أقوى على النطق به
قلعوا الأضراس من فكِّي،
وقصُّوا شفتيَّ
حطَّموا كل عظامي
وبعنْف مارَسوا الإرهاب في ذاك
الحطامِ
وتلا القاضي على الناس اتِّهامي:
إنني شخص أصوليٌّ أجيد
العربية
ولدى نفسي بقايا من حميَّة
أنني "مُعْدٍ" لكوني فيَّ "فيروس"
القضيَّةْ
(21)
ثم ماذا ؟
ذات يوم أبصروا في شعر وجهي بعض
آيات الصلاحْ
هذه الشعرات عنوان الرجولةْ
فتنادى علماء النفس والخبرة
من كل البطاحْ
درسوني وطنيا
درسوني عربيا
درسوني
عالميا
فإذا التقرير قد أوصى بنتف الشعر بحثا عن
سلاح
(22)
ثم ماذا ؟
ذات يوم هدموا جدران
بيتي
ورموني في العراء
تحت نهش البرد والظلمة في فصل
الشتاء
ليس شيء بين جلدي وصقيع الأرض أو نَدْف السماء
رجفت أعضاء
جسمي واستقر الموت في لحمي وعظمي
فتنادوا لاكتشافي
رصدوا كل خفايا
حركاتي باهتمام
فحصوا نبضات قلبي ودمائي بانتظامْ
درسوني
وطنيا
درسوني عربيا
درسوني عالميا
وأداروا آلة التنقيب عن
أسرار همي
فأتى التقرير مختوما بتوقيعي وختمي:
هو شخص دمويٌّ
حركيٌّ
قلبه يخطر في أعماقه "قلب النِّظام"
(23)
ثم
ماذا ؟
ذات يوم وقف العالم يدعو لحقوق الكائناتِ
كل إنسان هنا ، أو
حيوان، أو نباتِ
كل مخلوق له كل الحقوق
هكذا النصّ صريحا جاء في كل
اللغاتِ
قلت للعالم : شكرا أعطني بعض حقوقي
حق أرضي، وقراري،
وحياتي
فتداعى علماء الأرض والأحياء من كل الجهات
درسوني
عالميا
فأتى التقرير لا مانع من إعطائه حق المماتِ
(24)
قال قوم
لا تنادوا للفداء
يغضب الساسة من هذا النداء
يخجل الساسة من هذا
النداء
لغة الحرب تولَّت في الأساطير القديمة
لهجات الحرب بادت
كالسلالات الكريمة
نحن في عصر سلام عربيٍّ
قد نزعناه بوعي من تلافيف
الهزيمة
وعلى ذلك فالحرب أو التفكير في الحرب
جريمة
(25)
كلما جُدِّد للذل احتفال، ودُعينا
لنقيمه
رقصتْ أضراسنا شوقا إلى تلك الوليمة
هل نشأنا كسيوف العصر لا
تعرف للعزّة قيمة
يتبع