المرأة في الإسلام
انطلق الاسلام في التعامل مع الانسان كنوع ; لذا تعامل مع هذا النوع على أساس إنسـانيته ، فخاطبـه إنساناً يحمل الغريزة والعقل والشعور الوجداني والاحساس الأخلاقي .. تعامل معه كإنسان من غير أن يفرِّق بين الجنسين: الذكر والاُنثى في الانتماء إلى هذا النوع .. جاء هذا الأساس واضحاً في بيانه القرآني الكريم :
(ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيِّـبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً )( الإسراء / 70 ) .
(يا أيّها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلقَ منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيباً)(النساء/1).
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ) ( الرّوم / 21 ) .
(ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف ) ( البقرة / 228 ) .
(وعاشروهنّ بالمعروف ) ( النساء / 19 ) .
(ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملتهُ أُمّه كُرهاً ووضعتهُ كُرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ( الأحقاف / 15 ) .
(وقضى ربّك ألاّ تعـبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقُل لهما قولاً كريماً * واخْفض لهما جناح الذلِّ من الرّحمةِ وقُل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً )( الإسراء / 23 ـ 24 ) .
(وضربَ الله مثلاً للّذينَ آمنوا إمرأة فرعون إذ قالَت ربِّي إبنِ لي عندكَ بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعونَ وعمله ونجِّني من القومِ الظالمين * ومريم ابنة عمـران التي أحصنت فرجها فنفخـنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربِّها وكُتبهِ وكانت مِنَ القانتين)(التحريم/11ـ12).
إنّ قراءة هذه النصوص النـيِّرة ، واستجلاء ما حوت من قِيَم إنسانية فريدة تكشف لنا عن قيمة المرأة وموقعها في الرؤية القرآنية للإنسان ، ونجد في نصوص السنّة والسيرة النبوية المطهّرة ، المعبِّرتين بدورهما عن روح القرآن .. نجد ما يوسع دوائر الضوء والبيان حول هذه المفاهيم .. في الآيات السالف ذكرها ; نجد :
ولقد كرّمنا بني آدم .
وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا .
خلقكم من نفس واحدة .
خلق منها زوجها .
وبثّ منها رجالاً كثيراً ونساء .
اتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام .
خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها .
وجعل بينكم مودّة ورحمة .
ولهنّ مثل الذي عليهنّ .
عاشروهنّ بالمعروف .
ووصّينا الانسان بوالديه إحساناً .
حملتهُ أُمّهُ كُرهاً ووضعتهُ كُرهاً .
وحمله وفصاله ثلاثون شهراً .
وبالوالدين إحساناً .
فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما .
وقُل لهما قولاً كريماً .
وقُل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً .
ضرب الله مثلاً للّذين آمنوا إمرأة فرعون ...
ومريم ابنة عمران .. وصدّقت بكلمات ربِّها وكتبه وكانت من القانتين .
إنّ القرآن يؤسِّس مفاهيم وقيماً ورؤىً علمية وأخلاقية ثابتة في الحياة البشرية ، توضِّح إنسانية الانسان وقيمتها في الجنسين الذكر والاُنثى .
إنّ القرآن يقرِّر أنّ الناس ـ رجالاً ونساءً ـ خُلِقوا من نفس واحدة هي النفس الانسانية الحاملة لكل خصائص النوع ، وأنّ خالق الانسانية قد كرّم هذا النوع ، وأبى أن يُهان إلاّ مَن أهان نفسه ، فهو المسؤول عن المهانة تلك .
ويقرِّر القرآن مبدأً نفسياً في العلاقة بين الزوجين ، فيوضِّح أنّها علاقة قائمة على المودّة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والاحسان .
والزوجة بما تحمل من حبّ ومشاعر إنسانية تجاه زوجها ، هي راحة وسكن وطمأنينة، تبعد عن زوجها القلق والكآبة ومتاعب الحياة ، وبذا تُبنى الاُسرة السعيدة والحياة الزوجية المستقرّة الهانئة .. يوضِّح هذا المعنى قوله تعالى : (لتسكنوا إليها ) ، وقوله : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) ( الأعراف / 189 ) .
وتقرِّر مبادئ القرآن، التكافؤ والمماثلة في حق المعاملة بالحُسنى : (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف ) .
وفي هذه النصـوص ، نجد حق المرأة وكرامتها محفـوظة موقّرة ، سواء أكانت اُمّاً ، أو زوجة ، أو أختاً ، أو ذات رحم .. وإذا كان هذا منهج القرآن في التعامل مع الزوجة ، فإنّه قرنَ احترام الاُم وحُبّها والبرّ بها ، والاحسان إليها بطاعة الله ، ونهى عن أن يُقال لها إلاّ القول الكريم ، وأن تُعامل إلاّ بالمعروف والاحسان ، ولا يصدر من الأبناء حتى كلمة الاُف .
والمرأة في المجتمع كشقيقها الرجل في العلاقة والمسؤولية الاجتماعية والرابطة العقيدية . فهي العنصر المكافئ له في بناء الحياة وإصلاحها ، جاء ذلك في قوله تعالى : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرونَ بالمعروف وينهونَ عن المنكر ) ( التوبة / 71 ) ..
فهي والرجال أولياء متكافئـون في تولِّي بعضهم للبعض الآخر ، ولها صلاحية أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، كما له الصلاحية ذاتها ، بل وهي تأمر زوجها بالمعروف وتنهاه عن المنكر ..
وأمرها ونهيها هذا ملزم له .. فأمر الآمر بالمعروف ، ونهي الناهي عن المنكر موليان ، وليسا إرشاديين ، كما يوضِّح الفقهاء ذلك ، أي ملزمان لمن يُؤمر ويُنهى .
وبذا يكون أمر المرأة بالمعروف ونهيها عن المنكر في مجال الفكر والسياسة والأخلاق والممارسات السلوكية ، كأمر الرجل ونهيه ، فالآية تكلِّفها بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، كما تُكلِّف الرجل بذلك .
وجدير ذكره أنّ هذا التكليف يمنحها أهلية المشاركة في الحياة السياسية بكامل أبعادها كما يمنح الرجل هذه الأهلية .
ويفتح أمامها حق المشاركة في أنشطة الحياة الاجتماعية التي يشملها هذا العنوان كافّة (عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولِّي بين المؤمنين والمؤمنات) .
إنّ دراسة الفقه الاسلامي وقوانين تنظيم المجتمع المدني بمختلف أنشطته من مال وزواج وتملّك وهبة وشـفعة وتجارة وقرض وكفالة وبيع وشراء وإجارة وعمل والتزامات مخـتلفة ، توضِّح لنا أنّ هذه القوانـين تقوم على أساس العقـود . والعقود في الشريعة تقوم على أساس توفّر الأهلية في الطرفين .
والمرأة في الفقه الاسلامي طرف مؤهّل كالرجل في إبرام العقود والالتزامات .. فقد لخّص الفقه الاسلامي وبصورة عامّة شروط الأهلية في الطرفين .. بالعقل والبلوغ ، وأن لا يكون هـناك مانع من نفاذ العقد كالحجر والسفه مثلاً . ولم يشترط الذكورة . فللمرأة حق العمل والاجارة والتجارة والبيع والشراء والهـبة والدّين والضمان والوكالة وكافّة التصرّفات .. وتلك من القضايا الواضحة في الفقه الاسلامي .
ويتّضح حق المرأة بشكل متميِّز في اختيار الزواج وإنشاء عقد الزوجية .
فالمرأة في الشريعة الاسلامية هي التي تُنشئ عقد الزواج ، فهي طرف الإيجاب (طرف إنشاء العقد وإيقاعه) .
ويُمثِّل الرجل طرف القبـول ، وصحّة العقد متوقِّفة على رضا الطرفين وقبولهما ، ولا يصحّ عقد المُكره . ولها أن تحدِّد من الشروط ما تشاء ، إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً ، كما للرجل الحق ذاته .
وفي دراسـتنا لحـياة المرأة والاُسرة الاُسوة والقـدوة .. خديجـة زوج الرسول (ص) ، تتضح كل تلك المعاني والقيم بشكل عملي مُجسّد ، فدراسة حياة خديجة والاُسرة النبوية الكريمة ، هي دراسة تطبيقية للقيم والمبادئ الاسلامية التي دعا إليها القرآن الكريم ، وبيّنها وطبّقها الرسول الهادي محمد (ص) في بناء الاُسرة والتعامل مع المرأة .
وكم عبّر الرسول (ص) بقوله وفعله عن قيمة المرأة في حياة الرجل وفي حياة المجتمع ، أمثال قوله : «النساء شقائق الرجال» ، و «من أخلاق الأنبياء حُبّ النساء» ، و «ألا خيركم ، خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي» .
من مجمـل هذا العرض ، تُعرَف قيمة المرأة في الاسلام ، وموقـعها في المجتمع ، وحقّها في بناء الحياة والمشاركة فيها .