تكلمنا كثيراً حتى خيل إلي أننا يوما ما لم تمر علينا تلك القطيعة .. تعالت ضحكاتنا و أغلقنا الهاتف كأن شيئاً ما لم يكن .. و بدأت بتحضير قهوتي .. و دار بخلدي أن هناك فراغاً ما بداخلي بدأ يتفاقم من جديد .. بدأت وحدتي ترسم أمام أعيني بطيفها الملازم لي طول أيامي .. شردت قليلاً مفكرة .. من أين تلك الوحدة بعد أن خيل لي أنها رحلت عني يوم ألتقيته ..
لحظتها عرفت حقيقة الأمر .. لقد تكلمنا و كأن ما بيننا لم يكن .. كأن لم يتبقى سوى ذكريات مبهجة .
هام فكري بيوم ألتقيته .. أجرينا حديث تواصل ساعات دون أن ينقطع .. شعرت خلاله بنشوة نسيتها منذ زمان بعيد .. كانت الكلمات تنطلق فرحه دون خمود .. و الوقت يمر سريعاً حتى ينبلج النهار دون أن يأخذ معه متعة حوارانا فيتصل دون أنقطاع خيط اللهفة و الأستغراق .. لا ادري الآن كم مر من الوقت قبل أن يداعب اعيننا ذلك المتجبر المسمى النوم .. فأنقطع حديثنا بالكلام فقط و ان كان كلاً منا واصله بأحلام متفرقة تداعب جفوننا النائمة .. أما قلبينا ظل البريق يلتمع داخلهم دون أن يخبوا ..
أستيقظت على صوته كأنه ما غاب عني فقد ظل طوال غفوتي يتردد صداه بخلدي .. حتى أنني كلمته و انا لا ادري أهو بقايا احلامي أم واقع جديد بدا بزوغه ينير ايامي .. دار حديثنا طويلاً أم قصيراً لم أعد أتذكر .. كل ما أدركه الآن هو انني قد أختزنت كلماتي حتى أطلقها له وحده .. حتى أكتشف معه جمال العبارات و مفردات اللغة من جديد .. هل هى حقاً روعة الأحاديث بيننا أم روعة اللهفة التي تولدت بيني و بينه دونما شعور و لا توقع .. هل كنت أتصور يومها .. لحظة ان حادثته بان هناك ثورة ستندلع بداخلي و لا ادري ما هو سرها .. و لكن متى كانت الثورات تعلن عن ميعاد أندلاعها ؟!
ثم بدأت لقائاتنا .. لا أدري كيف تحملت لهفتى حتى لقائه .. كيف تحملت عيناي أخفاء سري عنه _ و هل أخفته حقاً _ و مر الوقت معه سريعاً غير مدركة إلا بضرورة الرحيل و العودة .. يا ربي كيف مر كل هذا الوقت دون ان أدري عنه شيئاً من ملل و لا فتور بحديثنا .. لم ألتفت للحظة أتطلع بها لمن بجوارنا جلسوا .. عيناي لم تلتقط تفصيلات المكان .. لم تسجل سوى جلوسه أمامي بكل راحة كأننا ألتقينا بعد طول غياب و ليس لقاء أول ، يدخل ذاكرتنا للمرة الأولى .
رحلت و أنا أحدد ميعاد آخر .. لم يكفي كلينا هذا اللقاء السريع المتعدي للسبع ساعات .. عدت و صوته يستقبلني و دار حديثنا طويلا.. قصيراً لا يتسع لكل الحكايات .. حتى أتاني ذلك الزائر البغيض المسمى النوم .. بعد أن كنت أفاوضه بكل طريقة ممكنة حتى يزورني و يأكل جزءاً من وحدتي الا أنه الآن ككل المغرورين بسلطانهم العفي يأمر و يحدد متى يزورني ..و غفوت .
ثم ألتقيته .. و كعادته منذ لحظة بزوغه ، ظل يبهرني .. قال لي :
_ أريد أن أبدا معكِ رحلة سفر .. و أعلم كم تحبين ذلك .
حرت لا ادري هل سأحب معه السفر أم سيتآكلني الملل ؟ !
ربت على يدي و كأنه يقول لي أتركي الأمر كما هو لا تعيريه أهمية التفكير .. و تركتني أثق به كدليلي بالرحلة .
و بدأنا السفر .. ..